ليس اسماً لفيلم سينمائي تنوي هوليوود أو بوليوود إنتاجه، لكنها الحقيقة القاسية...فبالرغم من أن ما يحدث في محيط دول مجلس التعاون الخليجي من نزاعات سياسية مسلحة، وحروب تدور رحى بعضها منذ عقد من الزمان؛ لها أثرها الخطير على دول الخليج العربية، من السودان، إلى الصومال، إلى باكستان وأفغانستان، إلى إيران والعراق، إلى لبنان، فإنها تبقى في حدودها الجيوسياسية المحدودة، وتبقى خطورتها على دول الخليج تكمن في التداعيات اللاحقة لها، وما تنتج عنه هذه النزاعات من سياسات قد تضر بمصالح دول التعاون الخليجي. لكن ما يحدث في اليمن هو الخطر الحقيقي على دول الخليج العربي مجتمعة، ولو انه يعني السعودية بشكل مباشر، إلا انه سيلحق أذاه بباقي دول المجلس وان بشكل غير مباشر، إذا استمرت الأوضاع في اليمن على هذا النحو. فإذا كان الجيش اليمني قد أتم شهره الثاني منذ خوضه حربه "السادسة" على الحوثيين الذين لا يشكلون أكثر من عصابة لا يتجاوز أفرادها البضع مئات من المتمردين؛ وان كانوا يُدعمون بالسلاح والتمويل والتخطيط من قبل جهات ودول باتت معروفة، وأخره سقوط طائرتين تابعتين لسلاح الجو اليمني ما يدلل على أن الحوثيين وصل إليهم سلاح قادر على إسقاط الطائرات كان غائباً عنهم حتى بداية الحرب الأخيرة، وما كشفت عنه السلطات اليمنية من مخطط باسم "يمن خوشبخت" وللتسمية دلالة على المُسمي!، يشير بوضوح لمن يقف خلف الحوثيين ويوازي في هذا المخطط بينهم وبين تنظيم "القاعدة" في اليمن وأحزاب سياسية أخرى مناوئة للحزب الحاكم في صنعاء. وما تردد يوم الجمعة الماضي حول مقتل عدد من اللبنانيين ضمن صفوف الحوثيين قيل إنهم ربما من عناصر "حزب الله" في لبنان يدعَم كل التهم ضد إيران وأتباعها، وما يثير الاستغراب هو عدم استثمار الحكومة اليمنية لهذه الأدلة الدامغة إن صح ما أُعلن، وتقديمها إلى الأمم المتحدة لإصدار قرار أممي يحد من تدخلات إيران واذرعه العربية في الشأن الداخلي اليمني. كيف تكون الحال لو شدت الحرب أوزارها مع تنظيم "القاعدة"، الذي يتربص عناصره في وادي عبيدة في محافظة مأرب القريبة من صعده؟. والذين يقدر عددهم بالآلاف (حسب ما أعلنه قائده الميداني السعودي محمد العوفي بعد تسليمه نفسه للأمن السعودي في شهر مارس العام الجاري وظهوره في التلفزيون السعودي بعدها بشهر). كما أن عناصر تنظيم "القاعدة" في اليمن تملك نفس التدريبات بعضها من نفس المدربين للحوثيين على الأسلحة بأنواعها والتخطيط وتعدد وسائل التنفيذ، لكنهم ربما يملكون وسائل متقدمة أكثر من رفاقهم الحوثيين، وما يؤكد ذلك هو التقنية المستخدمة من قبل الانتحاري الذي حاول اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودية الأمير محمد بن نايف في 27 أغسطس الماضي عبر تفجير نفسه بقنبلة ربط مؤقت تفجيرها بهاتفه بعد استقباله الاتصال من رقم مخصص في اليمن عند تحديد لحظة التفجير. وتتجاوز أطماع وطموحات التنظيم الإرهابي في اليمن حسب الخطط التي يقومون بتنفيذها ما وصل له العقل الحوثي بمراحل كبيرة جداً. تنظيم "القاعدة" يرى اليمن دولة ذات حدود شبه مفتوحة، بحرية أو برية، وجغرافيا و ديمغرافيا قريبة جداً من أفغانستان، ما يشكل بيئة خصبة يجعل منها محطة انطلاق وليست هدفا للوجود الدائم. واعتقد أن هذه الرؤية لتنظيم "القاعدة" تجاه اليمن هي رؤية تكتيكية مرحلية، ودافعها أن اليمن تربطها حدود برية طويلة مع السعودية وهي الهدف المباشر للتنظيم، إذ تتجاوز الحدود المشتركة بين البلدين أكثر من 1800 كم، ولما تشكله السعودية من ثقل ديني وسياسي مؤثر في العالم الإسلامي والمجتمع الدولي يضاف إليه الثقل الاقتصادي الذي توجه انضمامها إلى مجموعة العشرين. لكنني أعتقد أن هذا الاستهداف المباشر للسعودية من قبل تنظيم "القاعدة" لن يعفي باقي دول مجلس التعاون الخليجي من التوابع الناتجة عن هذا الاستهداف، الذي إن نجح في تحقيق الحد الأدنى مما خطط له فسوف تكون كارثة أحاقت بدول المنطقة كافة. وتصبح هذه الحدود ورقة لابد لليمن أن يُسقطها من حسابات تنظيم "القاعدة"، هذه الورقة التي تقلق صنعاء والرياض مجتمعتين ومعهما باقي دول المجلس، سيصبح وجود تنظيم "القاعدة" في اليمن مجرد محطة مرور للانتقال إلى الصومال، أو ربما يكتفي بالمرور عبر المياه الإقليمية لليمن أثناء توجه عناصره للقرن الأفريقي، وتصبح بذلك الأراضي اليمنية منفرة لعناصر التنظيم وليست حاضنة له. لابد لليمن أن يبادر إلى استئناف العمل في الحاجز الحدودي بينه وبين جارته السعودية، الذي توقف العمل في إنشائه في فبراير عام 2004 بسبب حجج وشكوك لا وجود لها سوى في أذهان من يستفيدون من عمليات التسلل وبيع الأسلحة، وتهريب المخدرات التي باتت تتردد وان بصوت منخفض أسماء بعض من يتكسبون من تجارتها وتسهل تهريبها!. بإنشاء الحاجز الحدودي بين اليمن والسعودية تسد صنعاء هذه الثغرة الأمنية وتحرم تنظيم القاعدة وغيره من المهربين من استغلالها، الذين أصبح وادي حظي وتفرعاته في الأراضي اليمنية المحاذية لمحافظة شروره السعودية يعج بهم، ويدرأ اليمن شرورهم وأطماعهم عن أراضيه. ومثل هذا الحاجز مقام على الحدود المشتركة بين الولايات المتحدة والمكسيك، وقد ساهم في انخفاض حجم تجارة المخدرات عبر تلك الحدود، كما ساهم أيضاً في انخفاض التهريب غير الشرعي للأفراد من المكسيكيين الباحثين عن فرص للعمل في أميركا. كما أن الحدود البرية المشتركة بين دولة الكويت والعراق يفصلها حاجز حدودي مزود بأجهزة تصوير حرارية للمراقبة، وأسلاك شائكة مكهربة تمنع مرور المتسللين وتساهم في حفظ امن البلدين. وتشهد الحدود المشتركة بين السعودية والعراق رغم سهولتها وبساطة السيطرة الأمنية عليها، حاجزاً يمنع تسلل الأفراد بين البلدين، ويمنع أيضاً عمليات تهريب المخدرات بينهما. اعتقد أن الحاجز الحدودي بين اليمن والسعودية سوف يسهم في تقليل فرص نجاح عناصر "القاعدة" في التسلل إلى السعودية ويحد من قدرتها بشكل كبير جداً. كما يساعد الرياض في بقاء عناصر التنظيم المطاردين من أبنائها وغيرهم تحت سيطرة قواتها الأمنية لتضمن بذلك عدم تمكنهم من اكتساب المهارات الإرهابية في الخارج وعودتهم إليها كما حدثت وتحدث الآن في اليمن وأفغانستان.